القانون يخالف مبادئ الأمم المتحدة الأساسية
بشأن دور المحامين المعتمدة من الجمعية العامة فى 1990
من خلال متابعة المركز لأوضاع القضاء والمحاماة فى المنطقة العربية ومتابعة النصوص الحالية لتنقيتها واتفاقها مع المواثيق الدولية وتلافى أوجه الخلل فى مشاريع القوانين ومن خلال قراءة المركز لنصوص قانون تنظيم مهنة المحاماة اليمنى تبين للمركز أن القانون يتضمن العديد من النصوص التى تهدد استقلال مهنة المحاماة وتخل بكفالة حق الدفاع للمواطنين .
ففى الوقت الذى يتجه فيه العالم عبر المواثيق والإعلانات الدولية إلى كفالة استقلال مهنة المحاماة ، وضرورة توافر مؤهلات علمية معينة وتدريبات مهنية خاصة لدى المحامين حفاظا على حقوق وحريات المواطنين ، وصيانة حق المحامين فى السلامة والآمان الشخصيين، وعدم تعرضهم للإيذاء بسبب أو أثناء تأدية مهام وظيفتهم .
فإن مشروع قانون مهنة المحاماة اليمنى قد تضمن الإخلال بالعديد من الحقوق المعترف والمعمول بها دوليا وذلك من عدة وجوه :
أولا : إدخال غير الحقوقيين فى مهنة المحاماة على خلاف المعمول به فى كافة المواثيق الدولية وذلك كالتالى :
- ما ورد بنص المادة 31 فقرة د التى تقنن وجود ما يسمى “بوكلاء الشريعة” فى جدول خاص بهم ضمن جداول المحامين المقبولين للترافع أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية .
ويشير المركز إلى أن “وكلاء الشريعة” هم أشخاص غير حاصلين على مؤهلات علمية سواء فى الحقوق أو الشريعة والقانون وأنهم من بقايا النظام القضائى العثمانى ، وعلى الرغم من أن التأهيل والثقافة القضائية والقانونية الملائمة للعصر والمستوعبة لهمومه ومتناقضاته ومصالحه شروط ينبغى أن تتوافر لدى المحامى خاصة وأن المرحلة الراهنة للدولة اليمنية تستدعى وجود جهاز من القضاة والمحامين حديث يستوعب ويواكب هذه المرحلة .
- فإن تقنين وجود “وكلاء الشريعة” فى مهنة المحاماة يعد خروجا على نصوص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين والمعتمدة من الجمعية العامة عام 1990، حيث نصت المادة التاسعة من هذه المبادئ على أن : “تكفل الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية توفير تعليم وتدريب ملائمين للمحاماة وتوعيتهم إلى المثل والواجبات الأخلاقية للمحامين وإلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية التى يعترف بها القانون الوطنى والدولى” .
- كذلك يشير المركز إلى أن إقحام وكلاء الشريعة فى مهنة المحاماة يعد خروجا على العديد من الاتفاقيات والمواثيق العربية والدولية المتعلقة “بالتصنيف المهنى” والتى تحدد التصنيف العلمى لكل مهنة ، والشروط والمواصفات الواجب توافرها فى الموصوف بالمهنة ، وقد صادقت دولة اليمن على العديد من هذه الاتفاقيات.
وبالتالى فإن المساواة بين من يكون حاصلا أو حائزا على إجازة جامعية فى الشريعة أو القانون أو الحقوق ، ومن لم يكن حاصلا عليها وكل ما لديه ممارسة لبعض متطلبات مهنة المحاماة كما هو الحال مع وكلاء الشريعة يدمغ القانون المتضمن هذه المساواة بعدم المشروعية لمخالفته نصوص اتفاقيات التصنيف المهنى .
والمركز إذ يناشد الحكومة اليمنية بتعديل نص المادة 31 فقرة د بشأن “وكلاء الشريعة” ، إنما لما لوحظ من تعارضها مع قانون السلطة القضائية اليمنى خاصة المادة (121) التى حددت أن أعوان القضاء هم المحامون والخبراء والكتاب والمحضرون والمترجمون ، وحددت المادة (122) من ذات القانون الشروط الواجب توافرها للاشتغال بالمحاماة وبينت حقوق المحامين وواجباتهم وتنظيم محاسباتهم .
مما يعنى وجود ضوابط تحكم مهنة المحاماة بالإضافة إلى أن المحامى لا يقتصر دوره على الترافع أمام المحاكم فحسب بل هناك مهام أساسية مثل الاستعانة به فى وضع مشروعات النظم واللوائح والقوانين، والطعن فى الأحكام والنيابة والتمثيل عن موكله ، مما يتعين معه ضرورة الحصول على مؤهلات خاصة وتدريبات معينة ، لا تتوافر فى “وكلاء الشريعة” .
كذلك ما ورد بالمادة (36) من المشروع يعد خروجا صريحا على “مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين” حيث كرست المادة السابقة تجاهل شرط المؤهل العلمى لتحل محله شرط “القدرة والكفاءة” وقد جاءت صياغة المادة متضمنة معيارا فضفاضا لهذا الشرط وغير محددة لمعنى القدرة والكفاءة ، ومن هو صاحب الاختصاص بالحكم على وكيل الشريعة بأنه ذو قدرة وكفاءة لقيده فى جداول المحامين .
بالإضافة إلى أن شروط مزاولة المهنة ليست شروطا تقديرية لجهة الإدارة وإنما هى شروط تحددها القوانين والمواثيق الدولية وكل ما للإدارة هو البحث فى مدى توافر هذه الشروط من عدم توافرها .
ويرى المركز العربى أن مشروع القانون ليس فقط خروجا على المواثيق والإعلانات الدولية والقوانين الوطنية اليمنية ، إنما تعارضت نصوص المشروع بعضها مع البعض ، وذلك كتعارض المادة السابقة (36) مع المادة السادسة من مشروع القانون و التى تنص على أن : “نقابة المحامين منظمة مهنية مستقلة تضم المحامين المقيدين فى جداولها وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالى والإدارى ويديرها مجلس تنتخبه الجمعية العمومية” . فهذه المادة تشير إلى أن النقابة قاصرة فى عضويتها على المحامين وأنها شخصية اعتبارية مستقلة ، بينما المادة 36 تقحم وكلاء الشريعة على هذه المنظمة المهنية المستقلة .
ثانيا : المشروع تضمن سيطرة السلطة التنفيذية على مقدرات نقابة المحامين.
تضمنت نصوص مشروع القانون للعديد من المؤشرات الواضحة على تدخل السلطة التنفيذية ممثلة فى وزير العدل فى شئون مهنة المحاماة . ويتضح ذلك من الآتى :
- ما نصت عليه المادة (41) فقرة ب من اشتراط أداء اليمين أو القسم المهنى أمام وزير العدل كشرط لمزاولة مهنة المحاماة . وهذا الشرط فريد من نوعه على مستوى القوانين المنظمة لمزاولة مهنة المحاماة سواء على الصعيد العالمى أو على الصعيد العربى ، وأن هذا النص جاء بالمخالفة لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين ، حيث نصت المادة 24 من هذه المبادئ على أن : “للمحامين الحق فى أن يشكلوا وينضموا إلى رابطات مهنية ذاتية الإدارة تمثل مصالحهم وتشجع مواصلة تعليمهم وتدريبهم وحماية نزاهتهم المهنية ، وتنتخب الهيئات التنفيذية لهذه الرابطات من جانب أعضائها ، وتمارس مهامها دون تدخل خارجى” . ويرى المركز أن يكون القسم أمام نقيب المحامين ولجنة القيد حسبما هو معمول به دوليا ، وحسبما استقرت عليه أعراف المهنة .
- ما نصت عليه المادة (87) بشأن مجالس التأديب حيث جعلت هذه المادة رئاسة مجلس التأديب الأعلى برئاسة قاضى يندب بقرار من وزير العدل ، لا تقل درجته عن قاضى بمحكمة الاستئناف، وأن مجلس التأديب الفرعى يرأسه قاضى بدرجة رئيس محكمة ابتدائية يندب بقرار من وزير العدل .
حيث تعد المادة السابقة تكريسا لتدخل السلطة التنفيذية فى شئون مهنة المحاماة من جهة وإقحام للقضاء فى أمور المحامين من جهة أخرى ، وذلك بالمخالفة لنص المادة (28) من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين حيث نصت على أن : “تقام الإجراءات التأديبية ضد المحامين أمام لجنة تأديبية محايدة يشكلها العاملون فى مهنة القانون ، أو أمام سلطة قانونية أو أمام محكمة ، وتخضع لمراجعة قضائية مستقلة” .
كذلك ما نصت عليه المادة (29) من أنه : “تقرر جميع الإجراءات التأديبية وفقا لمدونة قواعد السلوك المهنى وغير ذلك من المعايير المعترف بها وآداب مهنة القانون وفى ضوء هذه المبادئ”.
كذلك فإن وجود القضاء على رأس مجالس التأديب يخل باستقلال مهنة المحاماة ، الأمر الذى لا يتصور حدوثه حال تأديب القضاة حيث لا يتصور إشراك المحامين فى مجالس تأديب القضاة .
- ما نصت عليه المادتين 117 ، 118 من المشروع حيث أجازت الأولى لوزير العدل أن يطلب من المحكمة العليا حل مجلس النقابة للعديد من الأسباب التى ساقتها هذه المادة ، كما أن المادة 118 عهدت لوزير العدل تكوين لجنة مهمتها الإعداد للانتخابات ، وجعلت للوزير الحق فى الدعوة إلى الانتخابات .
والمادتين سالفتى الذكر تكرس نفس تدخل وزير العدل والقضاء فى آن واحد فى شئون نقابة المحامين وذلك بالمخالفة لنص المادة (24) من مبادئ الأمم المتحدة .
ثالثا : المشروع خلا من الحصانات والضمانات اللازمة لأداء المحامين لمهام وظيفتهم دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق .
يرى المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة أن مشروع القانون لم يتضمن حماية كافية للمحامين الذين يتعرضون للاعتداء أثناء قيامهم بأعمال وظيفتهم أو بسببها ، ومن ذلك :
- ما نصت عليه المادة (57) من المشروع حيث نصت على أن : “يعاقب من يتجنى على محام أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة وفقا لقانون الجرائم والعقوبات” .
وتضمن المادة السابقة مخالفة صريحة لنص المادة (16) من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن دور المحامين حيث نصت على أنه : “تكفل الحكومات ما يلى للمحامين :
- القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق .
كما نصت المادة 17 من ذات المبادئ على أنه : “توفر السلطات ضمانات حماية كافية للمحامين، إذا تعرض أمنهم للخطر من جراء تأدية وظائفهم” .
ويرى المركز أن تكون عقوبة الاعتداء على محام بسبب أو أثناء تأدية مهمته هى العقوبة المقررة بشأن الاعتداء على أحد أعضاء المحكمة .
- ما ورد بنص المادة (58) من أنه : “لا يجوز تفتيش مقار نقابة المحامين أو فروعها إلا بموجب القانون وبأمر قضائى وبحضور أحد أعضاء النيابة العامة ونقيب المحامين أو رئيس الفرع أو من يمثلهما” .
وهذه المادة لا تنطوى على الحماية الكافية لضمان استقلال مهنة المحاماة وحصانة مقار النقابة، ويقترح المركز أن يكون التفتيش لمقر النقابة أو فروعها بموجب القانون وبأمر قضائى وبمعرفة عضو النيابة العامة وباشتراط حضور نقيب المحامين أو رئيس فرع (النقابة الفرعية) شخصيا، تمشيا مع المبادئ العام الواردة بالمواثيق والإعلانات الدولية .